الصراع الدوناتي الكاثوليكي في شمال إفريقيا

يتضمن هذا الكتاب دراسة تحليلية للصراع الديني الذي عرفته الساحة الإفريقية نتيجة ظهور العقيدة المسيحية وانتشارها في ربوع الشمال الإفريقي. فقد صاحب ظهور المسيحية في القرون الأولى للميلاد حركة اضطهاد واسعة لأتباعها، خاصة في عهد الإمبراطور ديوكليتيانوس Dioclétianus 305-303م ولعل أهم ما ميز تاريخ الكنيسة الإفريقية في القرن الرابع الميلادي ظهور الانشقاقات داخلها، من أبرزها الانشقاق الدوناتي الذي واجه الكنيسة الرسمية الكاثوليكية. وظل هذا الخلاف قائما إلى أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين Constantin المسيحية وأصدر مرسوم "ميلانو" édit de Milan سنة 313م. تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة فصول، يتناول الأول أسباب الانشقاق الديني وآثاره في شمال إفريقيا. أما الثاني فيعرض طبيعة المواجهة بين الدوناتيين والكاثوليك. ويعالج الفصل الثالث أطوار الصراع الدوناتي-الكاثوليكي، الذي أنتج حركة جدل واسعة استمرت حتى أوائل القرن الخامس م وانتهى بتحريم وحظر الدوناتية رسميا على إثر مناظرة قرطاجة سنة 411م. يسعى هذا البحث الى تحقيق غاية أسمى وهي الاهتمام بالتاريخ الديني للشمال الإفريقي القديم وعلاقته بالوجود الروماني. وهو محاولة جادة للجمع بين الرؤية المنهجية والتحليل، وبين استنطاق المصادر الأدبية والمادية من مخلفات أثرية وأنثروبولوجية، على الرغم مما يتطلبه هذا التوغل من جهد وبحث دقيق في المصادر المادية والكتابية