بحلول القرن العشرين صارت المدينة موضوعاً ثقافياً يتناوله المفكرون والأدباء والفنانون من زاويتيه؛ المكانية والزمانية في آن معاً. صارت المدينة الحديثة أكثر من أن يستوعبها عقل واحد مهما أوتي من براعة وعلم، فلا يمكن استيعاب حدودها ونطاقاتها بمجرد إلقاء نظرة عليها حتى ولو تم ذلك من أعلى نقطة فيها، كما أن كل امرئ من سكان هذه المدينة أو تلك يدرك ألا مجال أمامه كي يعرف كل أفراد مدينته. فضلاً عن ذلك السيل من المثيرات المادية اليومية العلاماتية التي تعد أنظمة إشارية تلهث الحواس في التقاطها وترجمتها؛ إذ صارت من الكثرة والتنوع بحيث يستحيل شمولها بنظرة واحدة. وإذا ما استقرأنا الشعر الأمريكي المعاصر وجدنا أن المدينة فيه واحدة من ثلاث: فإما أنها جحيم لا يُطاق تعمه الظلمة ويسوده القبح والدمامة ويغشاه البؤس والملل القاتلين مثلما نرى في شعر إليوت وباوند، أو أنها الآلة التي تسحق البشر كما في بعض أشعار جماعة شيكاغو، وإما أنها "فردوس معدني" لا يتميز فيه الفن الأصيل من الصنعة الدخيلة، ولا الموسيقى التي تشنف الآذان من زئير وقعقعة الماكينات التي تثير الأعصاب وتصم الأسماع. إن أسطورة المدينة في الشعر الحديث ليست مجرد أسطورة مقتبسة، بل هي أسطورة مركبة أعيد توليفها لتناسب الغرض؛ فلم تعد الأسطورة الشعرية تقتصر على اقتباس الرمز واستنساخ الأساطير القديمة خدمة لأغراض فنية، بل تعدى الأمر إلى صناعة أساطير جديدة.

Book Details:

ISBN-13:

978-3-330-79606-5

ISBN-10:

3330796065

EAN:

9783330796065

Book language:

عربي

By (author) :

صديق جوهر

Number of pages:

284

Published on:

2019-03-22

Category:

Language and literature science