التّقوّم الترنسندنتالي للمعنى لدى هوسرل: نحو تصور قصدي للمعنى والقيمة

يقتضي التأمل الحر والنقدي في قضايا العالم والوجود والانسان في زمننا المعاصر، تثبيت موقع الرؤية وتأصيل منهج النظر، على ارض صلبة لا تتأثر بتقلبات الاحداث والنفوس والاهواء والمواقف، وهي الارض التي اكتشفها ديكارت وأكد قيمتها هوسرل بعده، ارض الذاتية الترنسنجات وعقبات نتالية كمجال للمعنى والقيمة. الا ان هذا المطلب قد يصير متهذرا، اذا ما لم نعرف قدر الحيطة والحذر وحجم المسؤولة التي يستلزمها هذا الامر، ونظرا لما يشوب الطريق الى هذه الارض من منعرجات وعقبات وحلول واجوبة جاهزة وسهلة قد تستهوي المتأمل فينأى بها عن مشقة البحث الرصين عن المعنى والقيمية الواجبة بمحض نور العقل والبداهة. فينومينولوجيا المعنى والقيمة لدى هوسرل، هي محاولة لكشف الطريق والطرق المنهجية المتماسكة والصارمة التي خطّها هوسرل لبلوغ المعرفة الحقة والمعنى الحق، للأشياء والظواهر البادية للوعي، كمقصودات في حقله، في ارضه، التي يستقي منها كل موجود قيمته ومعناه، وهو ما جعل هوسرل في نظرنا، ابا روحيا لمنتقدي اشكال الاغتراب للمعنى في عالمنا المعاصر، كما سيظهر مع فلاسفة مدرسة فرانكفورت. فلئن كان منهجه غير منهجهم ومنطلقه غير منطلقهم، فان الافق والجذور الاشكالية تبقى ثابتة، ويحسب لهوسرل سبق الاحساس بها والسعي الى تسييج مجالها وتشخيص اعراضها ومحاولة تقديم ترياق لها.