المنحى التداولي في فهم النص عند الأصوليين

يختلف الناس في فهم النص بقدر اختلاف كفاءاتهم ومستوياتهم واختلاف المعطيات المتوفرة لديهم واختلاف نظرهم إلى هذا النص؛ فمنهم من لا يتجاوز نظره الحروف، ومنهم من يسبر غوره سبرا ليصل إلى أدق معانيه، ومنهم الذي يسبح بخياله بعيدا فيقوّل صاحبه ما لم يقل، ومنهم من تتوفر له أسباب معينة وقرائن تأخذ بيده إلى الغرض المقصود دون زيادة أو نقصان. وإذا كان هذا شأن عامة الناس فإن الباحثين اختلفوا كذلك في تناولهم لمستويات البحث اللساني بحسب أهميته عندهم. إن دراسة النظام، ومعرفة العلاقات التركيبية، والوظائف التي تنجم عنها ركن أساسي لا غنى عنه في الدرس اللغوي، ولكن عملية الفهم تتطلب نوعين من العمليات، تتعلق أولاهما بفك الرموز وتتعلق الثانية بالاستدلال. ثم إن عملية الاستدلال قد لا يكفي فيها هذا المستوى، مما يدعو إلى الاستعانة بمجموعة من المعارف منها: معرفة حالة المتكلم النفسية ومستواه المعرفي وبعض المعارف المسبقة، وكذا الظروف المحيطة بالحدث اللغوي وغيرها. بدليل أن نفس الجملة قد تنطق في مواقف مختلفة ويكون المراد مختلفا في كل مرة. والتداولية من بين التيارات الهامة التي تناولت المعنى وقصد المتكلم متوسلة إليهما بكل ما أمكن من الوسائل وهي تلتقي في العديد من مفاصل درسها اللغوي مع الدرس اللغوي عند الأصوليين .الذين لم يدخروا وسعا في البحث عن مقاصد المتكلمين مما يبرر اختيارنا في هذا البحث.