ميخائيل نعيمة - الأديب الثائر

"...والحق أنني قد وقعت من قراءة هذه الصفحات علي قرابة صحيحة وجوار ملاصق في الحي الذي أسكنه من هذه الدنيا الأدبية الجديدة. رأيت قلما جاهدا في طلب الشعر الشعر الصحيح شعر الحيات، لا شعر الزحافات والعلل، ورأيته ينعي علي الشعر الرث الذي تركنا بلا شعر ولم يبق... في حياتنا ما ليس منظوما سوى عواطفنا و أفكارنا، ورأيته يريد من الشاعر نبيا وينكر أن يكون بهلوانا، ويريد من الشعر أن يكون وحيا وإلهاما، وينكر أن يكون ضربا من الحلج والجمز والمشي علي الأسلاك، والإنـتصـاب علي الرأس ورفع الأثقـال بالأسـنان ولف الرجـلين حـول العـنق..." "فشعرت وأنا أتابع قراءة هذه الصفحات بما تشعر به القافلة المنبتة في المفازة السحيقة إذا ارتفعت لها قافلة أخري تنشد الغاية التي خرجت تنشدها... أما كلمتي أنا ففي خلاف صغير بيني وبين المؤلف لا أعرضه للمناقشة إلا لأن الإتفاق بيننا في غير هذا الموضع عظيم. وإن بين أيدينا الآن لهدية من أنفس هدايا تلك الحرية المباركة من قيود التقـليد وروحا من الحياة تهب علي مقاييسنا الآلية البالية، فلنفهمها مخلصين ونتقبلها شاكرين معجبين." عباس محمود العقاد - من مقدمته لطبعة الأولي للغربال (1923)