حفظة القرآن في المساجد: التمثلات الثقافية والاجتماعية

لقد عرفت المساجد، إضافة إلى زوايا القرآن والعلم المنتشرة في الجزائر، بتقاليدها في تحفيظ القرآن وتدريس العلوم الدينية، منذ زمن بعيد إلى يومنا هذا. ومما يعطي نوعا من الخصوصية الدينية والثقافية لهذه المساجد، جماعة الطلبة التي يقبلون إليها من كل ولايات البلاد، ويطلق عليهم "بالطلبة المسافرين"، ولقد أنتج الفضاء والإقامة المشتركة لأفراد هذه الجماعة في المسجد، وكذلك السلوكات اليومية من عادات الأكل والشرب والقراءة، وغيرها من السلوكات، رابطا اجتماعيا مشتركا بين هؤلاء حفظة القرآن، وتولدت لديهم كذلك تمثلات تصورات مشتركة لأنفسهم وللمجتمع وللحياة الاجتماعية عموما، جعلتهم ينتجون نظاما خاصا يميز جماعتهم كجماعة فرعية، تقوم على نسق لغوي خاص يحدد مستوى علاقاتهم فيما بينهم، وعلاقاتهم بالأشخاص الآخرين من جهة، وعلى نظام عملي يحدد دور كل فرد في الجماعة من جهة أخرى، حاولت من خلال دراستي هذه، لأحد مساجد مدينة وهران الذي كان يستقطب طلبة القرآن والعلم، من فهم النظام الخاص لهذه الجماعة وتصوراتها وتمثلاتها الثقافية والاجتماعية، وذلك من خلال المعايشة اليومية لأفراد الجماعة، واندماجي بينهم كعضو يخضع هو الآخر للنظام الخاص بهذه الجماعة.