الأدب المقارن من المؤتلف إلى المختلف

عرف الأدب المقارن في القرن الواحد والعشرين تحولات كبيرة، حيث انتقل من البحث عن المشابهة والائتلاف، إلى الاهتمام بالمغاير والمختلف؛ فلم يَعُد التشابه بين الآداب سببا كافيا للدراسة المقارنة، خاصة بعد أن أثبت مبدأ التأثير والتأثر قصوره على تأطير الدراسات المقارنة. لقد انصب اهتمام المقارنين في القرن التاسع عشر والعشرين، على البحث عن معايير عالمية جامعة، من أجل وضع نظرية للأدب المقارن على أساس المؤتلف، ولكن بدأ الأدب المقارن يتحوّل نحو المختلف، إثر الانفتاح الذي عرفه على ثقافات الأمم المختلفة بداية من القرن الواحد العشرين، وبدأ نزوع الأدب المقارن نحو المتباين والمختلف، كمرحلة جديدة مؤمنة بالمغاير ومؤسِّسة للاختلاف، وهكذا صار مطلب التعددية والاختلاف هاجس الكثير من المقارنين الرافضين لأحادية التفكير، الذي نبذته فلسفة ما بعد الحداثة التي اعتمدت مقياس الثقافة، كأهم معيار لتحديد الخصوصية الثقافية للشعوب وليس تماثلها، بعيدا عن الأنساق الأحادية المغلقة لفكر الحداثة الذي تبنّته أوروبا، والتي أقصت الآخر وهمّشته ونصّبت نفسها مركزا للعالم، وجعلت من أدبها نموذجا يجب محاكاته والنسج على منواله باعتباره الأصل والأرقى.