دور الباعث في المسؤولية الجنائية

فحالة الإجرام ليست إلا ظاهرة مرضية تصيب الإنسان وليست طبيعة فيه، ذلك أن الإنسان ليس مطبوعاً على سلوك السبيل الإجرامي، إذ الأصل فيه الفطرة السوية، ولكنه أيضاً ليس معصوماً عن التردي في وهدأت الجريمة، إذ الاستعداد لذلك قائم فيه بالفطرة كذلك، ويغدو هذا الاستعداد حالة خطرة إذا توافرت العوامل المثيرة له، وعندئذ تظهر بوادر الظاهرة المرضية، كالحال في شأن كثير من الأمراض، إذا الاستعداد لوقوعها قائم في الإنسان ذاته، ولكنها لا تظهر إلا إذا توافرت مسبباتها . والمجرم له ظروفه وبواعثه التي تفاعلت مع استعداداته الفطرية، فألقت به في بئر الإجرام، أي أن الجريمة إنما هي نتيجة تأثير مباشر لتلك العوامل المنشطة للاستعدادات الفطرية الكامنة في أعماق النفس البشرية، فكل إنسان يحمل بين جوانحه نفساً تملك الاستعداد للخير كما تملك الاستعداد للشر(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) الشمس: 7 ، 8 . وهذا يعني أن الدراسة المتجهة نحو الجوانب النفسية للإنسان لاكتشاف درجات الاستعدادات الفطرية لديه، وتحديد نوعيات العوامل المؤثرة عليه تعتبر أمراً بالغ الأهمية من الوجهة الجنائية . وقد كانت هذه الفكرة – رغم أهميتها – غائبة عن الإنسان في ظل المناهج الوضعية، فلم تكن شخصية الفرد الذي قارف الإثم تنال لديه أدنى اهتمام من حيث الدراسة الجنائية، باعتبار أن الاهتمام بتلك الشخصية لم يكن إلا ترفاً.